يتحدث في هذا الحوار عمر مقعاش الذي شارك في حرب أكتوبر 1973 برتبة رقيب، ضمن اللواء الثامن مدرع، الفيلق التاسع مشاة ميكانيكية، عن تلك المشاركة وكيف فرّ من ثكنته ليودّع أهله، ويذكر جيدا أن والدته المجاهدة أثرت فيه كثيرا عندما ودّعته بالزغاريد وقالت له "إن شاء الله تعود لي شهيدا".. اليوم يشغل عمر مقعاش منصب رئيس منظمة قدماء محاربي الشرق الأوسط التي تأسست سنة 2001 من أجل الدفاع عن هذه الفئة التي بقيت محرومة من أبسط الحقوق، وإلى الآن ما تزال المنظمة تبحث عن الاعتماد، هكذا يؤكد رئيسها بالرغم من تضحيات هؤلاء الذين رفعوا اسم الجزائر عاليا.
رحلة البحث عن الشهادة
يروي عمر مقعاش كيف بدأت الرحلة من ميلة إلى جبهة القتال في مصر فيقول: "قبل التحاقنا بالحرب في الشرق الأوسط هربت من ثكنة تلاغمة بولاية ميلة، وقضيت ليلة واحدة ودّعت فيها الأهل، وقد أثرت فيّ والدتي وهي تودّعني بالزغاريد وقالت لي: إن شاء الله تعود لي شهيدا، وهذا ما أثر فيّ كثيرا، وفي صباح اليوم الموالي عدت إلى الثكنة دون أن يعرف أحدٌ بقصة هروبي، وكانت المسافة التي تفصل مقر إقامة العائلة ببلدية سفيان بباتنة وثكنتي في ولاية ميلة قصيرة، وأمرتنا القيادة بتحضير أنفسنا، كنا حوالي ألف جندي بقيادة النقيب مزوزي بلقاسم رحمه الله، توجهنا مباشرة إلى جبهة القتال عن طريق البر، ونقلنا العربات المجنزرة بواسطة الشاحنات عن طريق تونس حيث استقبلنا التونسيون بحفاوة وكانوا يهتفون "تحيا الجزائر.. جيبولنا راس شارون..".
من تونس مررنا ببنغازي الليبية حيث قضينا يومين ثم واصلنا مسيرتنا إلى مصر، وفي الأراضي الليبية كانت تأتينا الإنذارات بالاحتياط من الغارات الإسرائيلية، وكنا نواجهها بالتوزُّع عبر مساحات واسعة. بعد مسيرة حوالي 12 يوما وصلنا إلى مصر ومكثنا يومين في القاعدة الخلفية بعيدا عن القاهرة بحوالي 20 كلم، ثم تزودنا بالوقود وسرنا ليلا إلى الجبهة.
بعد وصولنا أمرنا قائدُ السرية الملازم الأول كلي بوزيان، وهو مجاهد شارك في ثورة التحرير، بالقيام باستطلاع، وكلفني رفقة أربعة جنود بهذه المهمة، اقتربنا خلالها من القوات الإسرائيلية التي لم تكن تبعد عنا سوى بعشرات الأمتار، عرفنا التضاريس، وفجأة خرج علينا ضابطٌ إسرائيلي كبير فقتلته وتوالى إطلاق النار، ثم عدت إلى الموقع لأحصل على رتبته ورأسه فلم أتمكن من ذلك.
زارنا قائد
برتبة فريق من القوات المصرية، تحدث إليَّ وسألني لماذا لا تخاف اليهود؟
فأجبته: ولماذا أخاف الجندي اليهودي وهو يملك سلاحا وأنا أملك سلاحا أيضا،
هو مغتصِب للأرض وأنا أدافع عن أرضي ولا بد من تحريرها؟ فأعجبته إجابتي
ونزع وسام الصاعقة المدرّعة من على صدره ومنحه لي، وهذا بشهادة عبد المالك
قنايزية الذي كان يومها قائد اللواء الثامن المدرع برتبة رائد، وتم منحي
150 جنيه ومذياعا كهدية فرفضتها.
أعلمتُ قائد السرية بهذه العملية، وفي الليلة الموالية قررت القيادة الاستيلاء على الأراضي الشاسعة التي كانت تفصل بيننا وبين القوات الإسرائيلية، فأرسلوني على رأس فصيلة مشاة لاحتلال أقرب موقع، ولم يكن يبعد سوى بـ 150 متر، قمنا باحتلال الموقع وفوجئت القوات الإسرائيلية بذلك، كان هذا على ما أذكر في شهر رمضان، وأذكر أيضا أن الاشتباكات لم تنقطع يوما وقد سجلنا بطولات كبيرة إلى درجة أننا أصبحنا معروفين على طول الجبهة.
بعدها زارنا قائد برتبة فريق من القوات المصرية، تحدث إليَّ وسألني لماذا لا تخاف اليهود؟ فأجبته: ولماذا أخاف الجندي اليهودي وهو يملك سلاحا وأنا أملك سلاحا أيضا، هو مغتصب للأرض وأنا أدافع عن أرضي ولا بد من تحريرها؟ فأعجبته إجابتي ونزع وسام الصاعقة المدرّعة من على صدره ومنحه لي، وهذا بشهادة عبد المالك قنايزية الذي كان يومها قائد اللواء الثامن المدرع برتبة رائد، وتم منحي 150 جنيها ومذياعا كهدية فرفضتها.
القبض على ضابط إسرائيلي
ويواصل مقعاش شهادته قائلاً: بعد انتقالنا إلى الموقع الثاني بعد شهرين، وفي أحد الأيام رأيت هدفا متحركا أطلقت عليه الرصاص فلم يفرّ، سألني قائد السرية عن سبب إطلاق النار فأخبرته بالأمر، فطلب مني إحضار الهدف حيا أو ميتا، حضَّرت مجموعتي وقمت بالعملية وضبطنا خلالها ضابطا مصريا برتبة نقيب وبعد التحقيق معه اتّضح أنه ضابطُ مخابرات إسرائيلي كان يحمل بطانية بداخلها مخطط لتمركز القوات الجزائرية والمصرية وكان يهدف إلى التسلل إلى الجانب الإسرائيلي، فسلمناه إلى القيادة الجزائرية التي سلمته بدورها إلى القيادة المصرية .
في يوم عيد الأضحى رجعت إلى الموقع فوجدت زملائي في حالة من الحزن نظراً لبُعدهم عن الأهل في هذه المناسبة الدينية، فقررت أن أنهي حالة الحزن تلك، فعرضت عليهم بعد مشاهدتي لجنود إسرائيليين يلعبون كرة القدم أن نباغت هؤلاء بشرط أن أكون أنا أول من يطلق النار، ومن أجل إنجاح الخطة طلبت من بعض الإخوة أن يخرجوا للعب كرة القدم للتمويه وأعطيتهم تعليمات بالدخول إلى الخنادق بمجرد سماع صوت أول طلقة، بعد عشر دقائق حضَّرنا أنفسنا، تناولت سماعة الهاتف وأخبرت أفراد السرية بالعملية على أن تكون كلمة السر "التاي طاب" ومن حسن نية قائد السرية الملازم الأول كلي بوزيان أنه كلمني وقال بأنه يرغب في شرب الشاي معنا، ولم يعرف أن كلمة "التاي طاب"، إنما كانت كلمة السر لمعركة بيننا وبين الإسرائيليين كانت توشك أن تقع.
استمرّت المعركة إلى غاية أمسية ذلك اليوم ومن نتائجها جُرح أحد جنودنا.
حضَّرت مجموعتي وقمت بالعملية وضبطنا خلالها ضابطا مصريا برتبة نقيب وبعد التحقيق معه اتّضح أنه ضابطُ مخابرات إسرائيلي كان يحمل بطانية بداخلها مخطط لتمركز القوات الجزائرية والمصرية وكان يهدف إلى التسلل إلى الجانب الإسرائيلي، فسلمناه إلى القيادة الجزائرية التي سلمته بدورها إلى القيادة المصرية.
وعن سير المفاوضات، يقول مقعاش: بعد مفاوضات فك الارتباط وأثناء الانسحاب الإسرائيلي، خرجنا من الخنادق والمجنزرات وقمنا باستعراض شارك فيه كل أفراد السرية أمام مرأى ومسمع القوات الإسرائيلية، وكان الهدف من هذا الاستعراض أن نظهر أمام الطرف الآخر بأننا موجودون وأقوياء بإيماننا وإرادتنا لتحرير الأرض. وبعد الانسحاب زرنا المواقع الإسرائيلية لمعرفة كيف كانوا يعيشون، وخلال ذلك انفجرت بعض الألغام المضادة للأفراد والحمد لله أننا أصبنا بجروح فقط.
أبطال بدون اعتراف
تأسّست منظمة قدماء محاربي الشرق الأوسط سنة 2001 وهي تضم حوالي 7 آلاف منخرط، وهي تنشط على مستوى كافة التراب الوطني، وإلى حد الآن لم تحصل على الاعتماد القانوني الذي يمكِّنها من النشاط بهدف جمع الشهادات وكتابة التاريخ الذي يغطي فترة منيرة من التاريخ الوطني خاصة تاريخ القوات المسلحة الجزائرية التي يعتز بها كل الشعب الجزائري.
وتساءل السيد عمر مقعاش بصفته رئيسا لمنظمة قدماء محاربي الشرق الأوسط في نهاية روايته لفصول مشاركته في حرب 1973 عن سبب حرمانهم من الاعتماد القانوني للقيام بالمسؤولية تجاه هذه الفئة من المحاربين التي تعرضت للتهميش وهي تعاني اليوم الحرمان والفقر؟ ويؤكد مقعاش أن من هؤلاء مرضى وبعضهم يسكن المقابر إلى حد اليوم، ومنهم من يتسوّل لقمة العيش، وناشد رئيس المنظمة الضمائر الحية في البلاد من أجل تقديم يد المساعدة لهم، مع العلم يقول المتحدث أن منظمته مستوفاة لكل الشروط القانونية من أجل الحصول على الاعتماد، ومع ذلك لم يحظوا ولو باستقبال واحد رغم تعاقب عدد من وزراء الداخلية منذ قدّموا أوراق اعتمادهم سنة 2001، وهدّد مقعاش أنه في حال عدم الاعتراف بهذه الفئة فإن قدماء المحاربين سيخوضون اعتصاما سلميا غير محدود حتى تلبية جميع مطالبهم.