بشير البشير يدلي بشهاداته حول حرب أكتوبر 73
"تفوّقنا على الإسرائيليين فضربونا بأسلحة كيماوية"
حاوره: نور الدين مهداوي(تحقيقات جريدة الشروق اليومي الجزائرية)سبتمبر 2013
كنت أتمنى الشهادة في كل يوم، ولم
تكن تهمني الحياة بقدر ما كنت مهتمأ بتحرير القدس من قبضة الصهاينة"، بهذه
العبارات القوية والهمّة العالية، رغم تباعد سنوات الذكرى، فضل السيد بشير
البشير استفتاح حديثه معنا في سياق الإدلاء بشهادته الحية حول مشاركته في
حرب أكتوبر 1973 بالأراضي المصرية وعمره آنذاك لا يتعدى 17 سنة.
بداية، هل لك أن تحدِّثنا عن بدايات تكوينك العسكري قبل الالتحاق بجبهة القتال بمصر؟
أنا المدعو بشير البشير
من مواليد سنة 1956 ببلدية الغاسول ولاية البيَّض، التحقت بمدرسة أشبال
الثورة وعمري لا يتعدى 8 سنوات، فرضعت الوطنية وتشبعت بالقيم النوفمبرية
وحب الدفاع عن القضايا المصيرية العادلة على أيدي قادة عسكريين متشبعين
بالروح الوطنية الثورية.
وبعد مدة تكوين طويلة امتدت إلى سن
الخامسة عشرة من عمري، حوِّلت إلى مدرسة البليدة العسكرية لقضاء فترة
تدريبية على مختلف الأسلحة، حصلت بعدها على رتبة ضابط صف يحمل شهادة تدريب،
وبعدها انتقلت إلى القاعدة العسكرية "اللواء الثامن للمدرعات بالتلاغمة"
الذي كان بقيادة اللواء عبد المالك ڤنايزية وبن غربال المكنى بمحمد طويل،
وهناك تلقيت تكويناً معمقاً على أيدي ضباط مؤهلين استفادوا من تجربة
المشاركة في حرب 67 ضد العدو الإسرائيلي، قمنا حينها بعدة مناورات تأهيلية
تحضيراً للمهام التي وجِّهنا لها فيما بعد.
كيف تنقلتم إلى مصر ومن ثمة إلى جبهات القتال؟
لقد تلقينا الأوامر من
قائد اللواء الثامن بالاستعداد للذهاب إلى مصر لمشاركة إخواننا هناك الحرب
ضد العدو الإسرائيلي، وكان ذلك في شهر نوفمبر 1973، ونُقلنا على متن طائرة
عسكرية رفقة 15 صف ضابط من مدرسة أشبال الثورة، وأذكر يومها أننا لم نتمكن
من الهبوط في المطار العسكري في مصر بسبب تحليق طائرات إسرائيلية قرب
المجال الجوي المصري فاضطر ربان الطائرة للعودة إلى ليبيا ولكن دون أن تهبط
الطائرة في أرضية المطار، ثم عدنا إلى الهبوط ثانية في القاعدة العسكرية
المسماة (الإيكس تاب) الواقعة على بعد حوالي 12 كلم عن القاهرة، وتجدر
الإشارة هنا إلى الأهمية الكبيرة التي كان يوليها الرئيس الراحل هواري
بومدين بصفته رئيس جمهورية ووزير الدفاع لمشاركة الجزائريين في حرب 73 حيث
كان يتابع أخبار هبوط الطائرة أولاً بأول، وبعد أخْذنا لقسط من الراحة،
نُقلنا إلى جبهات القتال على متن شاحنات مصرية.
هل التحاقك بجبهة القتال كان بحكم موقعك كضابط تتلقى أوامر عسكرية أم نابعا من قناعاتك ومبادئك؟
الاثنان معاً، أولاً بحكم
تكويني بمدرسة أشبال الثورة كنت أذكر أنني سمعت كثيراً لأوامر القادة
الذين شاركوا حرب 67 وجعلوا تحرير الوطن العربي والإسلامي، جزءا كبيرا في
تكويننا العسكري، وكان محور الحديث في الحياة اليومية داخل المدرسة؛ إذ ما
زلت أذكر ما قاله لي قائد المدرسة آنذاك طاهري محمد بعدما كنا نستمع إلى
القناة الإذاعية الجزائرية وهي تبث مقاطع "أيها الشعب الجزائري إن القاهرة
دخان ونار" وبعدها بث النشيد المصري مرفوقاً بهتافات "الثأر الثأر من
العدو الإسرائيلي" فتغيرت تقاسيم وجه قائد المدرسة وبدأ يصرخ غاضباً:
"انظروا ماذا فعل بنا اليهود... أتمنى أن تكونوا رجالا صادقين وتشاركوا
إخوانكم تحرير الوطن العربي من العدو الغاشم"، ومن يومها كنت أتمنى أن تأتي
فرصة تنفيذ وتجسيد قناعاتي التي رضعتها بمدرسة أشبال الثورة بالضبط كما
يرضع الوليد ثدي أمه.
هل صحيح أنك أصغر قائد جزائري شارك في حرب 1973؟
دعني أصحح لك.. حسب كل
استقصاءاتي التي قمتُ بها في جبهات القتال داخل مصر، تأكدت بأنني لست فقط
أصغر ضابط في صفوف المقاتلين الجزائريين، وإنما أُعتبر أصغر ضابط برتبة
رقيب في القوات المسلحة العربية حيث كان سني يومها 17 سنة.
ماهي الترتيبات التي قمتم بها فور التحاقكم بجبهات القتال؟
لقد نُقلنا إلى جبهة
القتال الأولى ليلاً من القاعدة العسكرية (الإيكس تاب)، على متن شاحنات
عسكرية مصرية إلى المنطقة المسماة (الـڤــفرة)، وهي منطقة معزولة تقع على
بعد حوالي 100 كلم في الصحراء المصرية، مع مجموعة من الجنود والضباط
الجزائريين.
تمكنا
من تكثيف الضرب براً بمختلف الأسلحة واستخدمنا حتى راجمات الصواريخ،
وتمكنا بفضل الله عز وجل من إلحاق أضرار كبيرة بمعسكر العدو الذي لاذ كل من
فيه بالفرار حاملين معهم جثث جنودهم، وتمكنا بعد ساعات من الاستيلاء على
القاعدة الإسرائيلية وهي قاعدة متحركة كانت تستخدم كنقطة مراقبة
إستراتيجية، مكونة من عدد هائل من "الكازمات" وجدنا بها فيها ألبسة ومصبرات
وذخيرة حية كما عثرنا داخل القاعدة على صواريخ كمياوية من صنع أمريكي.
وفور وصولنا، وجدنا قائد
المركز العسكري عبد المالك ڤنايزية الذي كان يومها برتبة رائد رفقة المرحوم
محمد طويل في انتظارنا، وبعد أخذ قسط من الراحة تلقينا أوامر صارمة من
القيادة بضرورة التوزع والانتشار على الفيالق، وكان حظي أنني اخترت مع ثلة
من الإخوة الجزائريين، ضمن تشكيلة الفيلق العاشر، وكلِّفت بمهمة قيادة
دبابة مشاة محمولة وكان الفيلق متكون من 11 نفراً أذكر من بينهم: عميرة عبد
الرحمن - دناي- قويسم دحان - تاج الدين عبد القادر والمدعو سودا، وبعد
استكمال صيانة العتاد وحفر "الكازمات" كانت ليلة الحسم مع العدو ودخلنا في
اشتباك حاسم مع قاعدة عسكرية سخرها العدو الإسرائيلي كنقطة مراقبة
إستراتيجية على بعد حوالي 1 كلم من مكان تواجد قاعدتنا بمنطقة الـ_ــفرة،
وبمساعدة الغطاء الجوي المصري الذي كان مدججاً بطائرات الميغ 17، تمكنا من
تكثيف الضرب براً بمختلف الأسلحة واستخدمنا حتى راجمات الصواريخ وتمكنا
بفضل الله عز وجل من إلحاق أضرار كبيرة بمعسكر العدو الذي لاذ كل من فيه
بالفرار حاملين معهم جثث جنودهم، وتمكنا بعد ساعات من الاستيلاء على
القاعدة الإسرائيلية وهي قاعدة متحركة كانت تستخدم كنقطة مراقبة
إستراتيجية، مكونة من عدد هائل من "الكازمات" وجدنا بها فيها ألبسة ومصبرات وذخيرة حية كما عثرنا داخل القاعدة على صواريخ كمياوية من صنع أمريكي.
وباسترجاع القاعدة المذكورة تمكنا وفي
ظرف جد وجيز من إقامة وتأمين نظام مراقبة متينة على مدار 30 كلم، حينها
توالت أفراح المصريين وحتى الإخوة من الدول العربية الشقيقة حيث كنا نستمع
إلى الهتافات والزغاريد عبر أمواج الأثير وهو ما شد من عزيمتنا وقوى
إرادتنا على تحقيق النصر.
كيف كانت ظروف الحياة داخل القاعدة العسكرية أقصد المؤونة والدعم اللوجيستيكي؟
في الحقيقة كانت الظروف
الحياتية في القاعدة وبداخل "الكازمات" خصوصاً بمنطقة العبيدات صعبة، كانت
هناك ندرة في المياه ولا يمكن لأحدنا أن يستحم حتى ظهر فينا القمل والبق،
وكذا نقص في الأكل والإصابة بالأمراض، أذكر مرة أننا بقينا بدون ماء لمدة
48 ساعة بعدما تمكن قناص إسرائيلي من إصابة الشاحنة التي كانت تنقل لنا
صهريج الماء ليلاً، وتمكن سائق الشاحنة المدعو لعور الجيلالي وهو جزائري من
النجاة بأعجوبة واضطر إلى قطع مسافة 5 كلم قبل أن يلتحق بالقاعدة
العسكرية، حينها قمنا بجلب الشاحنة بواسطة دبابة وأعدنا تلحيم مواقع الخرم
وعاود السائق جلب الماء مرة ثانية فاضطررنا إلى تقسيم كمية الماء الموجودة
بواسطة غطاء القنينات.
هل بقيتم بجبهة القتال "الـڤــفرة" أم كانت لكم صولات وجولات بمناطق أخرى؟
بعد مرور سنتين، تلقينا
أوامر جديدة من القيادة بالانتقال إلى جبهة دفاعية جديدة تسمى بمنطقة
العبيدات وهي منطقة صحراوية، حينها كلفني الملازم مالطي عبد الغني بجلب
الحديد والمدرعات الحديدية المستخدم في صنع "الكازمات" من القاعدة العسكرية
السابقة، ونقلها إلى النقطة 94 طريق السويس ليلا على متن شاحنة مع المدعو عميرة، وبعد وصولنا نجوت من الموت بأعجوبة.
ماذا حدث بالضبط؟
لقد دخلت إلى "الكازمة"
ولم يرني أصدقائي وقاموا بجرِّ الحديد المتواجد عند مدخل "الكازمة"، فانهار
عليّ التراب، إلى درجة أنني أحسست أنني داخل القبر فبدأت أصرخ من فتحة قرب
مجموعة صخور، فقام الجنود بإنقاذي، وأزالوا التراب من فوقي، فتلك الحادثة
مازالت منقوشة في مخيلتي وتؤرقني في منامي إلى يومنا هذا، لكن والحمد لله
نجوت وشكرت الله على ذلك، وفور صعودي إلى أعلى تلة لاسترجاع أنفاسي شممت
رائحة غربية تشبه رائحة جثة ميتة، وبعد تفقد المكان وجدت جثة جندي مصري
قامت الذئاب بإظهارها، وجدتها مشوهة ومنهوشة على مستوى الصدر والبطن،
فسارعت مع ثلة من أصدقائي إلى إعادة دفنها ووضعت قميصي على وجه الشهيد حتى
لا ينهال عليه التراب، ثم نقلنا الحديد والمدرعات الحديدية، وفي طريق
عودتنا إلى منطقة عبيد التقيت أحد القادة المصريين فأخبرته بمكان جثة
الشهيد وطلبت منه أن يقوم بنقلها، فاسترعى انتباهه أنني فقدت قميصي، وعندما
أخبرته بمكانه منحني هذا القميص الذي ألبسه الآن (يظهر في الصورة) فهو
بمثابة هدية غالية جلبتها معي من أرض الكنانة.
وبعد وصولنا إلى القاعدة الجديدة لم
تلبث إلا أيام حتى تلقينا أوامر بوقف القتال، بعد انعقاد لقاء وزراء
الخارجية العرب بالقاهرة نهاية سنة 74، وبعدها عدت مع كتيبتي إلى أرض الوطن
وبقيت إلى سنة 75 حتى تلقيت أوامر جديدة بالعودة لتلقي تدريبات مكثفة
بكلية الدبابات في مصر الجديدة لمدة 7 أشهر بالكلية المسماة المازة
العباسية.
هل صحيح أن العدو الإسرائيلي ضربكم بأسلحة كيماوية؟
نعم لقد بدأ الإسرائيليون
وبمجرد وصولنا إلى قاعدة القفرة في المرحلة الأولى بشن حرب دعائية علينا
بواسطة مكبرات الصوت التي كانوا يطلقونها، حيث كانوا يطلبون منا نحن
الجزائريين العودة إلى بلادنا ولا دخل لنا في مثل هذه الحرب، ثم ضربونا
بأسلحة بيولوجية وكميائية مازالت آثارها شاخصة إلى يومنا هذا، فأحد الجنود
الجزائريين أصيب باضطراب عقلي وتعرّض المدعو دناي إلى تشوه بالغازات، أما
المدعو ڤطاف محمد فما زال يعاني من آثار المرض إلى يومنا هذا، ولا أخفي عنك
سراً إذ قلت لك أني مازلت أتجرع مرارة وآثار غاز القنابل وأصارع مشاكل
واضطرابات صحية إلى يومنا هذا.
هل من كلمة أخيرة سيد بشير؟
لقد أعادت لنا "الشروق"
الأمل من جديد في إحياء جزء من ذاكرة شعب بطل حرر وطنه ولم ينسَ قضيته
المركزية؛ قضية تحرير الأقصى، كما أنني أعمل حالياً رفقة كل من شاركوا في
الحرب ضد العدو الإسرائيلي على المستوى الوطني والمحلي ضمن "المنظمة
الوطنية لمحاربي الشرق الأوسط" التي أتمنى أن تسارع وزارة الداخلية إلى
منحها الاعتماد، حتى نتمكن من إقامة المحاضرات وبث التوعية بين صفوف
الناشئة وحملهم على حب وطنهم الجزائر ووطنهم الكبير الوطن العربي
والإسلامي.
|