كان شديد الحرص على اللقاء بنا بعد الاتصال به مباشرة من أجل الإدلاء بشهادته حول مشاركته في حرب الاستنزاف ضد العدو الاسرائلي. تنقل من بلدية بلعايبة إلى مكتبنا بالمسيلة رفقة ابنه قاطعا مسافة تفوق 70 كلم. ان الشيخ صراح عمار احد الجنود المختصين في السلاح المضاد للطيران الذي بدت تأثيرات الحرب على ملامحه رغم انه حاول كتمها معتبرا الأمر في سبيل الله والأمة لكن ابنه أكدها.
هو ابن بلدية بلعايبة إلى الشرق من عاصمة الولاية المسيلة من مواليد 04/08/1945 دخل صفوف الجيش الوطني الشعبي في 13/6/1967 جندياً في السلاح المضاد للطيران، وفي خضم الأخبار المتلاحقة من المشرق العربي علمنا، يقول المعني، بأن العدو الصهيوني قد احتل صحراء سيناء، فكان ذلك كافيا بإعلان حالة الاستنفار في صفوف القوات الجزائرية حيث التقينا، يضيف صراح، في باتنة حيث جاءت الأوامر بضرورة التوجه إلى جبهات القتال، وبالفعل حدد تاريخ 29/10/1969للانطلاق نحو مصر، وكان على رأس القوة الجزائرية القائد علاهم محمد رحمه الله، على متن طائرة عسكرية من مطار التليلات وبالعاصمة الليبية طرابلس تناولنا - يشير عمي عمار - وجبة خفيفة ثم أقلعت الطائرة في اتجاه مطار القاهرة، وعلى السريع تناولنا وجبة العشاء وفجأة دوت صفارات الإنذار معلنة قدوم الخطر.. وفي خضم ذلك نقلنا بواسطة شاحنات من نوع 4/4 - يقول المتحدث - إلى مواقع القتال بالقرب من قناة السويس، لقد اندهشنا أمام وجود طائرات اسرائيلية تحوم فوقنا وأقدامنا لم تطأ بعد ارض السويس..؟
وقبل أن تطأ أقدامنا الأرض - يضيف - حلقت من فوقنا طائرات العدو الصهيوني التي قصفت الموقع فردت عليها القوات الجزائرية بالسلاح المضاد للطيران.. الأمر الذي أثار استغراب ودهشة القوات الجزائرية التي وصلت لتوها بل وبعضها لا يزال على متن الشاحنات؟ وحسبه أن التساؤل الذي أثير حينها كيف علمت قوات العدو بنزولنا في المكان المشار إليه؟
وعن سؤال يتعلق بعدد العناصر المشكِّلة للقوة التي شارك فيها وتنقل معها أشار إلى 28 أو 30 عنصرا متدربا على السلاح المضاد للطيران ومن بين القيادات المرافِقة الملازم الأول فرحاتي سالم من دلس وبوجاجة محفوظ من جيجل وبن يحيى إبراهيم عريف أول من منطقة العبادلة ببشار، ومن القيادات المصرية الطبيب العسكري الملازم الأول محمود محمد العناني الذي كان مكلفاً بالحقنات المضادة لمرض الكوليرا.. إضافة إلى زيارة جمال عبد الناصر لمختلف المواقع وعلى رأسها نقاط تمركز القوات الجزائرية..
عمار صراح كشف كذلك انه وبحكم تخصصهم في السلاح المضاد للطيران لم تكن لديهم فرصة مواجهة العدو وجها لوجه، ولكن كانت أسلحتهم مصوَّبة ضد طائرات العدو الإسرائيلي.. مشيرا إلى انه شهد سقوط شهداء جراء استعمال الصهاينة لغاز محرّم دوليا الأمر الذي تركه يتأثر به ولا تزال أعراضه - يقول ابنه سليمان - قائمة حتى اليوم حيث يصاب من حين إلى آخر بنوبات.. متحدثا بالتوازي عن الفعالية والنقلة النوعية التي أحدثتها صواريخ سام 2و3 لدى القوات الجزائرية المضادة للطيران التي اشتراها بومدين من الاتحاد السوفيتي وأسرنا طيارين إسرائيليين وسلمناهما للمصريين وتم عرضهما في التلفزيون واعترفا بشكل واضح ومباشر.
قبل عودتنا إلى الجزائر أمر بومدين بمنح ذخيرتنا للفلسطينيين
أما مدة بقائه في جبهات القتال فقد كشفت الوثائق التي حملها معه عن أكثر من 10 أشهر كاملة حيث كان تاريخ الرجوع إلى الجزائر في 15/08/1970 لكن قبل ذلك يقول عمي عمار: "سجلنا ومن خلال متابعتنا للأخبار أن خلافاً وقع بين بومدين والقيادة المصرية التي ركنت لبعض المستجدات التي رأت فيها القيادة الجزائرية تراجعا.. أما عن الذخيرة الحربية الجزائرية فقد أمرت القيادة الجزائرية -يضيف المتحدث - بتسليمها للفلسطينيين دون قيد أو شرط وبلا ثمن. ومما تمت ذكره انه بعد أن جاءت أوامر مغادرة مواقع القتال والتحضير للعودة دوى الجرس في منتصف الليل وإذا بالقيادة العسكرية الجزائرية تأمرنا بمغادرة المكان فورا وإلا سوف نباد عن آخرنا وبالفعل تحركت القوات المشار إليها وبعد مسيرة دامت 3 ساعات في اتجاه منطقة تعرف باسم فايد قصفت المدفعية الإسرائيلية المواقع التي غادرتها القوات الجزائرية.. وأشيع حينها أنها خيانة من بعض الأشقاء..؟ - على حد تعبير عمي عمار - الذي بدا غاضبا عند ذكره هذه النقطة بالذات..
بعدها نقلوا إلى مطار القاهرة والتوقف في طرابلس ثم مطار السانية بوهران وكان في استقبالهم الرئيس هواري بومدين الذي حيَّاهم وانحنى أمام أرواح الشهداء الذين سقطوا في ساحات القتال دفاعا عن شرف الأمة وأرضها المقدسة.. بعدها نقل صراح عمار والعديد من رفقائه إلى تلاغمة وفي 24/05/1971 سُرِّح من الجيش الوطني الشعبي لايزال يحتفظ بعشرات الوثائق والصور بينما الحقوق يقول المعني فهي عند الله لكنه بالمقابل ناشد رئيس الجمهورية التدخل من اجل اعتماد منظمتهم التي سوف تعيد لهم حقوقهم وتصونها لا لشيء إلا لكونهم شكلوا النواة الأولى للجيش الوطني الشعبي ومنحوه عز شبابهم وساهموا في الدفاع عن شرف الأمة ومقدساتها.