فضل الرقيب الأول المتقاعد من صفوف الجيش الوطني الشعبي عميرة عبد الرحمن، العودة بنا إلى بعض تفاصيل انتقال الجنود الجزائريين إلى صحراء سيناء المصرية، من أجل مساعدة الجيش المصري في حرب 6 أكتوبر 1973، ضد الجيش الإسرائيلي. عميرة من مواليد 7 جويلية 1955 بوادي الزناتي بڤالمة، التحق بمدرسة أشبال الثورة منذ كان عمره 13 سنة، ترسخت في شخصيته مبادئ الثورة والقومية العربية، وكان شغوفا مثل كل أترابه آنذاك بخوض معارك ضد أعداء العرب والمسلمين.
يقول عبد الرحمن أنه وبعد مشاركته ضمن اللواء الثامن مدرع، في المناورة الكبرى التي احتضنتها منطقة الضاية ببريكة ولاية باتنة والتي حضرها الرئيس الراحل هواري بومدين، تم استدعاء كل أفراد وإطارات تلك الفرقة للسفر إلى مصر من أجل دحر الجيش الإسرائيلي.
عميرة الذي كان في تلك المهمة قائدا لفصيلة القوات المحمولة في اللواء الثامن، الفيلق العاشر، ذكر أن جزءاً من تلك الفرقة سافر جوا إلى مصر في حين سافر البعض الآخر برا عن طريق تونس وليبيا، قبل الالتحاق بصحراء سيناء عند الساعة منتصف الليل، حيث التقى أفراد الجيش الجزائري بأحد الضباط المصريين برتبة نقيب، كان مهمته تمكين الجزائريين من كل المعلومات عن ساحة الوغى، واطلاعهم على ميدان المعارك، وقد تفاجأ جنود الجيش الجزائري خلال رحلة استكشافهم للمنطقة، بجثث جنود مصريين أستشهدوا في معارك بينهم وبين الجيش الإسرائيلي والتي سبقت وصول اللواء الثامن مدرع الجزائري.
وأكد عميرة أن صور جثث الشهداء المصريين والتي كانت تنهشها الكلاب والذئاب في صحراء سيناء، رفعت من معنويات الجنود الجزائريين وزادتهم إرادة وعزيمة على دخول المعارك بكل قوة مزودين بالعبارات التي أطلقها بومدين في مخاطبته لهم خلال حضوره المناورة الكبرى بمنطقة الضاية، خاصة عندما خاطب أفراد اللواء الثامن بالقول أنهم متوجهون لأداء مهمة نبيلة وتمثيل الجزائر في قضية عربية، وأن الفرصة قد جاءت للثأر من نكبة 67.يتنهد عميرة وتملأ الدموع جفنيه قبل أن يضيف بأن الجنود الجزائريين الذين كان من بينهم شبانٌ يؤدون الخدمة الوطنية وآخرون مجندون وعلى الرغم من صغر سنهم، تفاجؤوا في صبيحة اليوم الموالي من وصولهم إلى سيناء، بمنشورات مرمية على الأرض مكتوبة باللغة العربية وأطلقها الجيش الإسرائيلي، تدعو الجزائريين إلى الانسحاب من المعارك وأن مشكلة الإسرائيليين مع المصريين وليست مع الجزائريين أو غيرهم من العرب.
أكثر ما أثر في نفوس أفراد اللواء الثامن هو المعاملة السيئة للمصريين خلال مغادرة التراب المصري على متن البواخر، ورفضهم تقديم أي مساعدة لهم خلال شحن العتاد الحربي للعودة به إلى الجزائر، بل أن كل الدعم والمساعدة كان من طرف الليبيين؛ لأن المصريين كانوا ينتظرون تنازل الجزائر عن عتادها ودباباتها وتركها للجيش المصري وهو ما رفضته السلطاتُ الجزائرية التي كانت في حاجة إلى كل قطعة سلاح، بعد الجبهة التي فتحتها القوات المغربية على الحدود الغربية للجزائر في جوان 1975 .
تلك المنشورات، يقول عميرة، جعلتنا نصرّ على المواجهة وعلى المضي قدما لفك الحصار الذي كان مضروبا من طرف الإسرائيليين على الجيش الثالث المصري والذي كان يقوده وقتها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بمنطقة جبل عتاقة قبالة البحر الأحمر، وقد تزامن ذلك مع الأوامر التي أصدرتها قيادة الجيش الجزائري بدخول المعارك ميدانياً، واللجوء إلى التمويه في الصحراء، ما أجبر الجيش الإسرائيلي الذي كان يقوده شارون على التراجع إلى الخلف، ما مكّن الجنود الجزائريين من خلق ثغرة برية لفك الحصار عن الجيش الثالث المصري والذي كان عدد أفراده يعدّ بالآلاف، وتمكينه من المؤونة اللازمة بعد أيام من الحصار الإسرائيلي، فقد تمكن اللواء الثامن المدرع الجزائري من فتح الطريق أمام عربات نقل المؤونة والعتاد اللازم للمجموعة.
ومن هول المعارك التي سقط فيها شهداء جزائريون على أرض سيناء اضطر الجيش الإسرائيلي إلى التراجع من نقطة التمركز على مستوى الكيلومتر 101 حتى إلى الكيلومتر العاشر.
وبقى الجيش الجزائري مستمرا في هجومه وتقدمه قبل أن يتفاجأ بقرار وقف إطلاق النار بعد صفقة عقدها الرئيس المصري آنذاك أنور السادات، لحضور قوات الأمم المتحدة لتأمين المنطقة أو بالأحرى تأمين الجيش الإسرائيلي الذي وجد نفسه في مواجهة أفراد الجيش الجزائري البواسل والذين كانت عبارات الرئيس الراحل هواري بومدين ترنّ في أذانهم وتقوي عزيمتهم وإرادتهم في النصر.
وأضاف عميرة أن قرار وقف إطلاق النار ووصول قوات الأمم المتحدة إلى المنطقة أحبط عزيمتهم في الوصول إلى فلسطين ورفع الأعلام العربية على أراضيها، واعتبروا ذلك خيانة من السلطات المصرية للقضية العربية.قبل أن يزورهم الراحل هواري بومدين مرفوقا بعبد العزيز بوتفليقة لتهنئتهم على ما حققوه من نصر طالباً منهم البقاء في مصر بعدما أكد لهم أن مهمتهم لم تنته بعد، وأن مهمتهم الجديدة تتمثل في التحاق كل أفراد اللواء الثامن مدرعات، المتكون من عشرة فيالق يقودها آنذاك المقدم عبد المالك قنايزية، بالكلية الحربية بالإسكندرية.
وهو القرار الذي لم يتم تنفيذه حيث أنه وبعد أيام قليلة من الوصول إلى الإسكندرية وتحديدا في 20 جوان 75 حتى تم استدعاء أفراد الجيش الجزائري المشاركين في حرب أكتوبر 73 من أجل الالتحاق بالجزائر وتحديدا إلى الثكنة العسكرية للمشاة بالتلاغمة ومنها مباشرة إلى منطقة مكمن عمار بالحدود الغربية، حيث كانت تدور معارك ضارية بين الجيش الجزائري والجيش المغربي الذي تسللت عناصر منه إلى داخل الأراضي الجزائرية فيما يُعرف بمعركة مقالة واحد.
وبالعودة إلى انتهاء مهمة الجيش الجزائري بصحراء سيناء، ذكر عميرة أن أكثر ما أثر في نفوس أفراد اللواء الثامن هو المعاملة السيئة للمصريين خلال مغادرة التراب المصري على متن البواخر، ورفضهم تقديم أي مساعدة لهم خلال شحن العتاد الحربي للعودة به إلى الجزائر، بل أن كل الدعم والمساعدة كان من طرف الليبيين؛ لأن المصريين كانوا ينتظرون تنازل الجزائر عن عتادها ودباباتها وتركها للجيش المصري وهو ما رفضته السلطاتُ الجزائرية التي كانت في حاجة إلى كل قطعة سلاح، بعد الجبهة التي فتحتها القوات المغربية على الحدود الغربية للجزائر في جوان 1975.