أربعون عاماً مرت على نصر السادس من أكتوبر، هذا النصر العظيم الذي يعد نصراً للأمة العربية ونموذجاً للوحدة والتلاحم العربي الذي افتقدته الأمة في عصرها الحديث، في هذه المناسبة أجرينا حواراً مع أحد أبطال هذه الحرب، سيادة اللواء عادل سليمان، أركان حرب عمليات فرقة مشاة، أحد الفرق الخمس التي اقتحمت قناة السويس يوم 6 أكتوبر 1973، والمخططة لاجتياح القناة وخط بارليف، أصيب في هذه الحرب مرتين وعاد إلى ميدان الحرب مرة أخرى ليواصل جهاده ضد العدو الصهيوني، والذي أصر في حواره أن هذه الحرب لا فضل فيها لأحد ولا بطولة لأحد فالكل أبطال فيها وأولهم الجنود المقاتلون الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم فداءً لوطنهم وأرضهم ولاسترداد كرامتهم والعزة لمصر والأمة العربية بعد هزيمة 5 يونيو 67، كما يتحدث عن مشاركة الجيوش العربية وبخاصة الجيش الجزائري الذي شارك في أهمّ المعارك ضد الجيش الصهيوني.
"الشروق" التقت سيادة اللواء بمناسبة الذكرى الأربعين لنصر أكتوبر وأجرت معه هذا الحوار.
باعتبارك أحد أبطال حرب السادس من أكتوبر 1973، جرى الحديث عن هذه الحرب بكثرة وإن كانت هناك عدة حقائق لازالت حبيسة الأدراج، ولكن الأجيال الجديدة تُحب أن تعرف كيف جرى الإستعداد لهذه الحرب ومنذ متى؟
الحقيقة في البداية أتحفظ على فكرة أحد أبطال حرب أكتوبر وهذا الكلام العظيم، فأنا كنت مقاتلاً من المقاتلين لأن البطولة الحقيقية كانت للمواطن المصري المقاتل على امتداد جبهة السويس، والبطولة لم تكن لشخص معين أو قائد أو منصب وإنما كان الجميع جنودا ومقاتلين..
مرور أربعين عاماً على هذه الحرب التي تمثل علامة حقيقية في تاريخ العسكرية المصرية والعربية وأيضاً الحديث عنها بلا شك يحمل الكثير من المعاني والقيم والدروس التي يجب على الجميع استيعابها والاستفادة منها، نحن تحدثنا كثيراً عن حرب أكتوبر والقرارات الفاصلة وتحدّثنا أيضاً عن التخطيط والخطة العظيمة لحرب أكتوبر وتحدثنا كثيراً عن أدوار القيادات العليا، لكن لم نتحدث بالقدر الكافي عن المقاتل المواطن البسيط الذي حمل السلاح وتقدم لاقتحام قناة السويس وخط بارليف والذي كان يدرك تماماً أنه يحمل روحه على كفه فداءً لهذا الوطن ولتحرير أرض سيناء.
كيف كانت مشاركة الدول العربية في هذه الحرب؟
كل الدول العربية حاولت أن تقدِّم ما تستطيع من مساعدات، فهناك دولٌ قدَّمت دعما ماديا، ودول قدمت سلاحاً وأخرى خبرات عسكرية، ولكن لم تكن هناك دولة لم تحاول تقديم الدعم لهذه الحرب، والسعودية والعراق ساعدتا الجبهة السورية، والسعودية قطعت البترول عن أمريكا آنذاك، كذلك الجزائر قدمت الدعم المادي والمعنوي والعسكري بشكل قوي في الحرب.
باعتبار حديثنا هو للقارئ الجزائري في المقام الأول، والجميع يعلم أن الجزائر كان لها دورا هاما في هذه الحرب، ما هي حجم مشاركة الجزائر في هذه الحرب ونوعية المهام التي قامت بها؟
لا شك أن الجزائر لها موقف وطني وعربي يتسم بالمروءة والشهامة والرغبة في الفداء، حيث كانت هناك وحدات جزائرية تشارك في الحرب، كذلك لواء مدرّعات، وكانت هناك مساندات قوية ودعم قوي من الجزائر لتمويل بعض صفقات السلاح التي كانت مطلوبة للجيش المصري، فلابد من التذكير بهذا الدور والتلاحم الحقيقي وقت الشدة عندما تتوحد الأهداف القومية.. ومن أهم المعارك التي شاركت فيها الوحدات الجزائرية هي معركة "الثغرة" وتعدّ من أهم وأشرس المعارك في هذه الحرب.
الجيوش العربية متأخرة جداً تكنولوجياً وعلمياً مقارنة بالجيوش الغربية
كما أن الرئيس الراحل هواري بومدين كان يدعم الجيش المصري والحرب على الجبهتين المصرية والسورية من كافة النواحي سواء بالمعدات أو بالطائرات أو بالجنود، فقد أرسل وحدات كاملة ولواءً مدرعا جزائريا إلى الجبهة المصرية وكان له مواقف مشهودة وبطولية.
في هذه الحرب الكل كان يؤدي دوره، ولكن من هم الأبطال الحقيقيون الذين خططوا لهذه المعركة، فتعلم أن الروايات حول هذه الحرب متعددة ومختلفة، كمثال صاحب الضربة الجوية حسني مبارك ثم جاء من أنكر ذلك بعد إسقاطه.. وغيره؟
أحب أن أوضح هذه النقطة، فالمشكلة عندنا هو تعظيم الرئاسة والحاكم، أي أنه طوال فترة حكم الرئيس السادات كان الحديث في ذكرى حرب أكتوبر عن "قرار الحرب والسلام" وكان الحديث هكذا كثيراً لأن السادات كان يعتبر أن هذا القرار نوع من أنواع البطولة، ولما جاء مبارك كان قائد الضربة الجوية، فتحول الحديث إلى الضربة الجوية، وكأنه لم يكن في الحرب سوى الضربة الجوية، ولكن بما أن مبارك استمر ثلاثين عاماً فتحول كل الحديث في ذكرى حرب أكتوبر إلى الضربة الجوية.
نعم هو كان له دور ولكن الجميع كان له دوره وليس هو فقط، فالقيادة الجوية كانت كلها صاحبة الضربة الجوية، ومن غير المنصف أن نتحدث فقط عن بطولة معينة أو ننسبها لشخص واحد، فالحرب هي أركان مختلفة لقوات جوية وبحرية وبرية ومشاة ومدرعات وجنود، وبالتالي الجميع فيها أبطال والكل كان يؤدي دوره حسب المطلوب بكل جد وحماس.
سيادة اللواء الحديث عن حرب أكتوبر استمر أربعين عاماً وبالتأكيد ثمة كواليس لا يعلمها أحد حتى الآن؟
للأسف طبيعة الدول العربية هو عدم الإفصاح والإفراج عن الوثائق، فبدون شك أن هناك الكثير من الأسرار غير المعلنة، لأن هناك وثائق لم يفرج عنها حتى الآن، وبالتالي نحن نتحدث إما عما شاهدناه أو شاركنا فيه أو في محاولات للتحليل وقراءة النتائج، فحتى الآن لا نستطيع القول إن هناك أسراراً يخفيها شخص ما، ولكن هناك وثائق معينة على مستوى القيادات العليا لم يُفرج عنها حتى الآن.
ولمَ لم يُفرج عن هذه الوثائق حتى الآن؟
اسأل القيادات العربية، ليس هناك قيادة عربية تُفرج عن وثائقها مقارنة بالدول الغربية، فالدول الغربية لها قواعد وقوانين تُفرج عن الوثائق بسرعة ضمانا لشفافية المعلومات، وإن أردنا المقارنة مع العدو الإسرائيلي فالكمّ الذي كُتب عن حرب أكتوبر وأفرجوا عنه من الوثائق أضعاف أضعاف ما أفرجت عنه مصر وسوريا، هذا للأسف موضوع نمط وسلوك في الدول العربية ليس في صالحها، فبالتأكيد الاستفادة من هذه الحروب وأخطائها وخبراتها فلا توجد حرب بلا أخطاء أو إنجازات، وعلينا أن نتعلم من هذه التجربة.
باعتبارك لواءً عسكريا سابقا وخبيرا استراتيجيا، في ظل الصراع العربي الإسرائيلي حالياً، هل الوضع حالياً مهيأ لحرب جديدة مع العدو الصهيوني وهل الجيوش العربية على استعداد لذلك إن حدث؟
نحن نتحدث عن أربعين عاماً مضت على حرب أكتوبر، وبالتالي في هذه الفترة أصبحت هناك معايير ونظم عسكرية مختلفة ووسائل حرب وتدريب متقدم تغيرت تغيرا مذهلا عن الماضي؛ ففكرة الحروب التقليدية كحرب أكتوبر التي كانت آخر حرب تقليدية بين الجيوش، مدرعات تحارب مدرعات وصواريخ أمام صواريخ وجنود في مواجهة جنود، سيناء كانت مسرح عمليات عليها جيشان متقابلان..
أما الآن فقد إنتهى هذا الأمر وفكرة دبابة أمام دبابة وصاروخ أمام صاروخ، وأصبحت الآن حروب تكنولوجيا وليزر وفضاء وصواريخ عابرة "أي ثورة في الوسائل العسكرية"، أما الجيوش العربية فهي بعيدة عن هذه التطورات التكنولوجية في المعدات والوسائل العسكرية.
إذن متى تصل الجيوش العربية إلى هذه الكفاءة وتضاهي أو توازي الجيوش الغربية؟
عندما تتطور المجتمعات؛ فالحرب لم تبق مقصورة على فكرة القوات المسلحة وتدريبها وشراء المعدات، فنحن في حاجة إلى تدريب معين وخبرة ومستوى صحي حتى يمكننا التعامل مع أساليب القتال الحديثة، نحن في حاجة لأصحاب المستويات العلمية والغربية العالية حتى نستطيع التعامل مع هذه الأدوات، والتقدم العلمي والتكنولوجي والصحي مهم جداً، فكل الجيوش كان معها كل الأسلحة والخيول، أما الآن فأصبح هناك من يفوق الآخر تقدماً بالتكنولوجيا العسكرية والتقدم العلمي، وخاصة البحث العلمي فنهضة أي دولة تقوم على ذلك، الولايات المتحدة مثلاً في النهاية جزء مهم من أبحاثها يصب في المنظومة العسكرية، يعني البنتاغون يمول لا يقل عن 30 جامعة علمية لأن الأبحاث العلمية تصب عنده..
والمسألة الآن تتطور بسرعة لأن الجيوش لم تعد بضع دبابات ولا مدافع ولا جنود، الموضوع أصبح علميا وتكنولوجيا في المقام الأول.