قصد المجاهد هبي بشير مقر "الشروق اليومي" قادما من ولاية تبسة ليسجل شهادته حول حرب الاستنزاف التي كان فيها قائدا للمدفعية الجزائرية خلفا للقايد صالح "نائب وزير الدفاع حاليا"، ومحاربا إلى جنب الجنرال خالد نزار الذي كان على رأس اللواء الجزائري الثاني في حرب الاستنزاف، وبرغم المرض وكبر السن والرصاصات التي اخترقت جسم المجاهد هبي بشير خلال الثورة، إلا أنه استجمع قواه وقطع 700 كم ليكشف حقائق جديدة ومثيرة عن حرب الاستنزاف ومشاركة الجيش الجزائري فيها.
المجاهد هبي بشير من مواليد 02 جويلية 1937 ببلدية بئر العاتر ولاية تبسة، التحق بالثورة المسلحة سنة 1955 حيث كان في مجموعة شبابية مكلفة بالعمل المخابراتي ضد الاستعمار الفرنسي، وبعد الاستقلال واصل مشواره في الجيش الجزائري ليتحصل على بكالوريوس في العلم العسكري سنة 1965 وعُيِّن بعدها رئيس أركان حرب في فوج 122 مدفعية ميدان.
ومع بداية العدوان الإسرائيلي على مصر وقرار الجزائر المشاركة في الحرب لنصرة الأشقاء المصريين أكد المجاهد هبي بشير "أن الجيش الجزائري أرسل أول فرقة "لواء" تتكون من 3500 جندي من مختلف الأسلحة إلى الأراضي المصرية سنة 1967 بقيادة النقيب عبد الرزاق بوحارة، حيث مكث اللواء من جوان 1967 إلى فيفري 1968، وبعدها خلفه اللواء الثاني بقيادة النقيب عبد القادر عبد اللاوي من فيفري 1968 إلى أكتوبر1969، وخلفه اللواء الثالث بقيادة النقيب خالد نزار في أكتوبر 1969 حيث خلف الملازم الأول قائد صالح على رأس فوج 122 مدفعية ميدان، وأول عمل قام به النقيب خالد نزار هو تغيير أماكن تموقع الجيش الجزائري إذ أقام مكتبه لقيادة الجيش في المقدمة على عكس العادة وهذا ما يدل على شجاعته، يقول هبي: أول معركة قمنا بها ضد الإسرائيليين كانت في منطقة "العين الصفراء" يوم 12 سبتمبر 1968 في أكبر معركة بين مصر وإسرائيل حينها، فيما يسمى بـ"معركة المدافع" التي تغنت بها الجرائد المصرية بسبب تفوق الجيوش العربية، حيث أبلت المدفعية الجزائرية بلاءً حسنا وأمطرت الإسرائيليين بأزيد من 1100 قنبلة ثقيلة.
جمال عبد الناصر صرّح في خطاب له قائلا: "إن الطائرات الجزائرية الـ24 والجيش الجزائري كان لهما الفضلُ الكبير في نجاح حرب الاستنزاف التي كبّدت الإسرائيليين خسائرَ فادحة"
وبالنسبة لمشاركة المجاهد هبي بشير في حرب الاستنزاف قال "إنها بدأت في 10 مارس 1969 وجاءت من أجل استنزاف قوة العدو الإسرائيلي بعد سيطرته على قناة السويس وتقدمه في صحراء سيناء، وجاءت الحرب أيضا لرفع معنويات الشعب المصري بعد الخسارة الفادحة التي تكبدتها القوات المصرية وفي مقدمتها الطيران المصري الذي دُمِّر بالكامل. وقبل بداية حرب الاستنزاف أرسل الرئيس هواري بومدين بوزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة إلى مصر واقترح على الرئيس جمال عبد الناصر إمداده بـ24 طائرة مقاتلة جزائرية، على أن يقودها الطيارون المصريون الذين اقترح بومدين أن يقلّهم على متن طائرته الخاصة من مصر إلى الجزائر، وهذا ما حدث فعلا حيث سافر إلى الجزائر 24 طيارا مصريا على متن الطائرة الخاصة لبومدين وتمكنوا خلال 48 ساعة من العودة إلى مصر على متن 24 طائرة مقاتِلة جزائرية ساهمت بشكل كبير في نجاح حرب الاستنزاف بشهادة الرئيس عبد الناصر الذي قال في أحد خطاباته سنة 1969 حيث كنت حاضرا في القاعة "إن الطائرات الجزائرية والجيش الجزائري كان لهم الفضل الكبير في نجاح حرب الاستنزاف التي كبدت الإسرائيليين خسائر فادحة ".
وعن يوميات الجيش الجزائري في حرب الاستنزاف قال المتحدث "الجيش الجزائري شارك بجميع أنواع الأسلحة، وغطت المدفعية الجزائرية مسافة يزيد طولها عن 21 كم وعرضها 10 كم في منطقة بحيرات المياه المالحة الكبرى والصغرى، حيث مكثنا 13 شهرا وكنا إلى جنب المقاتلين المصريين الذين أُعجبوا كثيرا ببسالة الجيش الجزائري الذي أنقذ العديد من المدن والقرى المصرية من المدفعية الإسرائيلية، حيث أمطر فوج مدفعية ميدان الذي أشرفت على قيادته المواقع الإسرائيلية بـ3113 قنبلة ثقيلة وطويلة المدى ما عرقل تقدم قوات العدو، وهذا ما ساهم في نجاح حرب الاستنزاف التي حققت العديد من النتائج منها تكبيد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ورفع معنويات الجيش المصري وعرقلة تقدم قوات العدو بالإضافة إلى التمهيد لمرحلة المفاوضات.
وقال محدثنا إنه التقى طياريين مصريين أكدوا له أنهم كانوا من ضمن الذين سافروا إلى الجزائر على متن الطائرة الخاصة للرئيس هواري بومدين ونجحوا في قيادة الطائرات الجزائرية التي ألحقت بالعدو الإسرائيلي خسائر فادحة، وقال أن أحد القيادات المصرية أعجب كثيرا بشخصية النقيب خالد نزار وبسالته وخططه العسكرية وقال إن الجيش المصري لو كان يملك 10 آلاف من أمثال خالد نزال لفتح العالم.
أحد القيادات المصرية أعجب كثيرا بشخصية النقيب خالد نزار وببسالته وخططه العسكرية وقال إن الجيش المصري لو كان يملك 10 آلاف من أمثال خالد نزال لفتح العالم.
وفي نهاية حديثه قال المجاهد هبي بشير أن المشاركة الجزائرية في حرب الاستنزاف كانت فعالة ومنحت الجيش المصري والعربي دعما معنويا وماديا كبيرا، وساهمت في تغطية ثغرات غاية في الأهمية، وأنكر أي خيانة حدثت في الجيوش العربية وقال إن عبد الناصر كان وطنيا وحرب الاستنزاف مهدت لحرب 1973 التي فاز فيها الجيش المصري وشاركت فيها الجزائر بلواء من آلاف الجنود بقيادة الرائد عبد المالك قنايزية الذي مكث في جبهة القتال إلى غاية شهر مارس 1975 .
وبعد عودته من الأراضي المصرية واصل المجاهد هبي بشير مشواره في الجيش الجزائري، حيث كلف بتدريس وتكوين المجندين وخرج على التقاعد سنة 2005، ليتفرغ إلى حياته الشخصية والعائلية، وأكد المتحدث أنه بصدد كتابة مذكراته عن حرب الاستنزاف وسيكشف عنها قريبا.