في هذه الشهادة، يركز السيد محند زايد، حول مشاركته في حرب أكتوبر1973وعلى العوامل التي مكنت الجيوش العربية من تحقيق انتصار تاريخي على الإسرائيليين، مؤكدا أنه كان ضمن الجنود الذين عايشوا جميع أطوار الحرب على مدى سنتين وكان شاهدا على المعارك، ما مكنه من تسجيل أهم النقاط التي مكنت الجيوش العربية من تحقيق أول انتصار على اليهود بعد هزيمة 1967 .
استهل السيد زايد حديثه باسترجاعه لتاريخ التحاقه بالجيش الوطني الشعبي كمدرّس لتقنيات إصلاح وتركيب أجهزة الاستقبال والإرسال الحربية في المدرسة الوطنية للإشارة ببوزريعة، حيث تلقى دعوة رسمية رفقة بعض زملائه في المدرسة يوم 6 أكتوبر 1973 للإلتحاق العاجل بالفرقة العسكرية المصفحة الثامنة بمنطقة تلاغمة شرق الجزائر العاصمة وذالك للمشاركة في الحرب العربية ضد إسرائيل، وتم اختياره في الفيلق الثامن للدبابات بمصر، وأكد المتحدث أن الفرقة المدرعة الثامنة كانت من أقوى المجموعات الحربية في الجزائر والمغرب العربي لاحتوائها على جميع التخصصات وقدرتها على الاستقلالية التامة في أي حرب، كما كانت تظم أحسن الجنود والقادة العسكريين في الجزائر وشاركت في الحرب العربية بآلاف الجنود وغطت مساحة يزيد عرضها عن 25 كم وكانت في مواجهة مباشرة مع الفرق الإسرائيلية التي حاولت اعادة السيطرة على قناة السويس بعد نجاح الجيش المصري في معركة العبور.
وقال محدثنا أن الفرقة الثامنة المدرعة انتقلت برا من مدينة تلاغمة يوم 10 أكتوبر وتوجهت إلى مدينة تونس حيث أمضت الليل هناك، وبعدها انتقلت إلى مصر مرورا بليبيا وكانت تتلقى الترحيب والتحية من طرف الجماهير العربية التي كانت متعطشة للانتصار، وأضاف أن الجيش الجزائري وصل الى القاهرة يوم 20 أكتوبر وبدأت المهمة الحربية بحلول الليل إذ توجه الجيش إلى مشارف قناة السويس باستعمال الدبابات للأشعة الحمراء والأضواء الزرقاء لتفادي اكتشاف تحركها من قوات العدو.
وواصل المتحدث شهادته قائلا "عندما وصلنا إلى موقعنا الحربي في مشارف قناة السويس، أخذنا مواقعنا وتلقينا تعليمات دقيقة وصارمة عن كيفية التحرك في حال تعرضنا إلى هجوم جوي، وكانت مهمة الفرقة المقاتلة الجزائرية تعويض فرقة مصرية لتغطية أهم مساحة حربية على مساحة 25 كم، وفي بعض الأماكن لم تتعد المساحة الفاصلة بين القوات الجزائرية والإسرائيلية 500 متر، ما جعل الاشتباكات تكون بشكل يومي، وكان الجيش الجزائري على أهبة الاستعداد على مدار الساعة، وكانت مهمتي هي المراقبة الدورية لأجهزة الإرسال والإستقبال في جميع أنواع العتاد الحربي، لأن هذه الأجهزة تعتبر مهمة جدا لضمان سلامة المدافع والدبابات التي يمكن أن تضل طريقها في حال تعطل جهاز الاستقبال أو الإرسال، وهذا ما جعل مهمتنا غاية في الأهمية والخطورة".
أسباب الانتصار
وأكد السيد زايد أن انتصار الجيوش العربية على الإسرائيليين لم يكن سهلا، ولكن جاء بعد جملة من العوامل والتعليمات التي ساهمت في تعجيل النصر، ومن بين هذه العوامل يقول المتحدث "السرية التامة في الإعداد للحرب، والتي فشل جهاز الموساد في معرفة موعدها ومكانها، والسرية بدأت مع الجيش الجزائري حتى في استدعاء الجنود الذين لم يكونوا على علم بمكان الحرب حتى في آخر دقيقة، وبالنسبة للجيش المصري فقد بدأ بعملية مناورات في صحراء سيناء ومشارف قناة السويس أشهرا قبل انطلاق الحرب، ليتهيأ للإسرائيليين أنها عمليات مناورات روتينية وهذا ما ساعد الجيش المصري على اختيار المواقع المناسبية للهجوم المباغت يوم 6 أكتوبر 1973، وبالنسبة للعامل الثاني فهو اختيار مكان وزمان الحرب التي لم يتنبأ بها الجيش الإسرائيلي لأنها كانت خلال شهر رمضان المعروف عند المسلمين بالصيام وقلة الحركة، وصادف أول يوم من الحرب يوم السبت الذي كان بمثابة عطلة عند الجنود الإسرائيليين، وبالنسبة لساعة بداية الهجوم الجوي فقد كانت الثانية وخمس دقائق بعد الزوال وهو وقت قيلولة للجنود اليهود، ماساهم في تحقيق ضرباتجوية فجائية وقاصمة للجيش اليهودي الذي تلقى خسائر فادحة في العتاد والأرواح خلال اليوم الأول من الهجوم والذي تكلل بنجاح الجيش المصري في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف.
عندما وصلنا إلى موقعنا الحربي في مشارف قناة السويس، أخذنا مواقعنا وتلقينا تعليمات دقيقة وصارمة عن كيفية التحرك في حال تعرضنا إلى هجوم جوي، وكانت مهمة الفرقة المقاتلة الجزائرية تعويض فرقة مصرية لتغطية أهم مساحة حربية على مساحة 25 كم، وفي بعض الأماكن لم تتعد المساحة الفاصلة بين القوات الجزائرية والإسرائيلية 500 متر، ما جعل الاشتباكات تكون بشكل يومي، وكان الجيش الجزائري على أهبة الاستعداد على مدار الساعة.
العامل الثالث للانتصار كان اختيار زاوية الهجوم التي كانت اتجاه غروب الشمس بهدف خلق ضبابية وصعوبة في رصد الطائرات المصرية بسبب أشعة الشمس التي كانت عاملا طبيعيا ضد الجيش الإسرائيلي، وبالنسبة للعامل الرابع فهو وضع عدد كبير من المدافع الوهمية التي شوشت على العدو التخطيط الجيد للهجوم الجوي، بالإضافة إلى تركيز الجيش المصري على المدافع ومضادات الطائرات التي غطت منطقة الحرب بشكل كامل ما ساهم في فشل الطيران الإسرائيلي الذي كان يحتوي على عدد كبير من الطائرات المقاتلة ذات الصنع الأمريكي، مقابل حيازة الجيش المصري على طائرات قديمة نجحت في مهمتها بسبب الإعداد الجيد والذكاء الحربي الذي كان يتمتع به المصريون الذين وجدوا طريقة خيالية لتدمير خط "بارليف" الذي يعتبر من أقوى الحصون العسكرية المبنية بالجدران الرملية المتحجرة التي يزيد ارتفاعها عن 20 متراً والتي دُمرت باستعمال مضخات مياه كبيرة ذات تدفق شديد، تشبيه المدافع، ساهمت في استحداث ثقوب في الجدار الرملي وتمكن الجنود العرب من اختراقها ومباغتة الإسرائيليين، ومن أهم عوامل تحقيق النصر أيضا وجود فرقة "الضفادع" المصرية التي اخترقت قناة السويس يوم 5 أكتوبر، أي قبل نحو 24 ساعة من بداية الحرب، وتمكنت من تلحيم قنوات تسرب الوقود التي خططت اسرائيل لاستعمالها لاحراق القناة بمن فيها في حالة الهزيمة، وهذا عبر السماح لكميات الوقود بالتسرب في القناة ثم إشعال النار".
وفي ختام حديثه قال السيد محند زايد إنه يشغل منصب الأمين العام لقدامى المحاربين الجزائريين المشاركين في حرب أكتوبر، والذين يعانون من مشاكل بالجملة جراء الأمراض العضوية والنفسية التي يعانون منها، مقابل غياب تام من تكفل الدولة التي خصصت مبلغ 5000 دج للمحاربين كمنحة شهرية وهذا ما وصفه المتحدث بـ"العار".