خريج معهد التعليم الأصلي، معلم فرنسية منذ 41 سنة، من مواليد 5/10/1952، دخل صفوف الجيش الوطني الشعبي، ومن الثكنة العسكرية تلاغمة جاءت الأوامر ليلتحق ورفاقه بجبهات القتال بمصر، حاول ذووهم الاتصال بهم لكن القيادة العسكرية لم تسمح بذلك. وانطلقت الرحلة برا نحو القاهرة، إنه المقاتل جعجاع لحسن من بني يلمان بالمسيلة، والذي حمل معه الكثير من الحقائق والوثائق التي تؤرخ لحرب أبلى فيها الجزائريون البلاء الحسن، التقته "الشروق" فتحدث إليها بإسهاب.
يقول جعجاع: المنطلق كان من مدينة تلاغمة، جاءت الأوامر بالتوجه إلى جبهة القتال فتحرك اللواء الثامن للدبابات في 10 / 10 / 1973 على الساعة التاسعة صباحا، حتى أسرنا وأهالينا لم يتمكنوا من رؤيتنا، تحركت القوات الجزائرية برا عبر الشاحنات، تحمل الدبابات، أول محطة كانت مدينة قابس، ثم مرورا بالمدن الساحلية الليبية آخرها طبرق، حيث طول الساحل الليبي وحده 1696 كلم، ثم مدينة السلوم المصرية، وبمجرد دخولنا التراب المصري يقول لحسن بدأت المؤونة تقل إلى أن صارت البطاطا ملاذنا في الليل والنهار، دخلنا العاصمة المصرية ليلا وبمحاذاة المطار العسكري الهيكستاب بقينا ثلاثة أيام من أجل الراحة ورد الأنفاس، مضيفا أن القوات المشار إليها تضم ثلاثة فيالق 81 دبابة، بالإضافة إلى فيلق المشاة المحمولة والآليات الميكانيكية والأجهزة المختلفة، ثم جاءت الأوامر بالتحرك ليلا نحو جبهة القتال، بالمكان المسمى أم كتيب بجوار محطة الرادار التي هاجمتها إسرائيل في 1969 وأسرت من فيها من مصريين وروس، وكانت المنطقة الفاصلة بينهم وبين العدو ملغمة ضد الأشخاص والدبابات، أما المسافة فلا تتجاوز 300م، ومن بين القيادات المرافقة لهم النقيب بوصبيعة عبد المجيد رحمه الله .
دوره في ميدان المعركة كان مراقبة جميع الدبابات الجزائرية ودورها في ساحة القتال، ودعمها وحث من فيها على الصمود وعدم التراجع طبقا لإشارات عسكرية يعرفها من كان في الميدان، وحسبه فإن القوة التي كان ضمنها بقيت في مطار الهيكستاب العسكري 07 أيام لينتقلوا بعدها إلى المرابطة في المكان المسمى جنيفة، مكثوا به أكثر من شهر، وكان هناك مدفع مصري بين قيادة الفيلق والكتيبة الثانية التابعة له، وكان عبارة عن محطة إطلاق نار في اتجاه القوات الإسرائلية، وبالتأكيد يضيف المعني أن هذا الأمر يدفع بالإسرائيليين إلى الرد على القوات الجزائرية المتاخمة لها مباشرة، بعدها جاءت أوامر من سعد الدين الشاذلي بالهجوم على العدو، وفجأة سمع نداء لنفس القوات الجزائرية بإيقاف الهجوم من طرف الرئيس المصري أنور السادات، واعتبر النداء بمثابة الحماية المجانية لقوات العدو التي كانت تتحاشى دوما مواجهة الجزائريين بل وتأكدت، يقول جعجاع، أن الهجوم الجزائري سوف يلحق بها خسائر جسيمة ويفتح طرقاً وممرات لتقدم قوات أخرى، بل المعلومات التي تجلت بعد نداء السادات أن القوات الجزائرية في المكان المشار إليه كانت تشكل خطرا على الأمن الإسرائيلي، فجاءت الأوامر بسحبها من أم كتيب إلى جنيفة.
الجنود الجزائريون خاضوا معارك ضد القوات الإسرائيلية وهم صائمون، والأكثر من هذا كل من يجرؤ ويفطر في نهار رمضان تُحفر له حفرة بطوله ويُدفن داخل الرمل، حيث يبقى رأسه فقط كعقوبة
وعاد جعجاع ليتحدّث عن المدفع المصري المشار إليه سلفاً، الذي كان يرمي في عمق القوات الإسرائيلية، وبعد ساعتين أصاب بعض أهداف قوات العدو التي وردت على الكتيبة الجزائرية التي كانت مكشوفة، فأمطرتها بالقنابل ولمدة نصف ساعة، فكان رد القوات الجزائرية حاسما بأمر من اللواء الحالي قنايزية بالمدفع عيار 150 ملم فأسكتت طلقات الإسرائيليين وتوقفت عن الردّ.
وبعد جنيفة كان التوجه إلى طريق الكيلومتر 101 بجانب مضخة البترول طريق السويس القاهرة، وبقينا هناك إلى غاية العودة إلى الجزائر، وحسبه فإن 03 أشهر الأولى مرّت بدون التزوّد بمؤن كافية، بعدها تدخلت الجزائر لتعود الأمور إلى مجراها، حيث صرنا يقول لحسن في نعمة، وفي سياق شهادته أكد أنه شاهد كتيبة كويتية كانت مرابطة على ثغرة (ديفري سوار) أبيدت عن آخرها، حيث جثث الجنود تنهشها الكلاب هنا وهناك.. مضيفا بأنه كان يتنقل إلى أحد الأصدقاء ليلا على مسافة تقارب 15 كلم بين الفيلق الرابع والفيلق العاشر.. وكنت أشاهد يقول لحسن الجثث المدفونة في الرمل، ومن حين إلى آخر أرى الكلاب تنهشها حيث أطلقت الرصاص عليها في أكثر من مرة حماية لجثث الشهداء..
وعن الحياة داخل معسكرات القتال أوضح بأن الجنود الجزائريين كانوا يقاتلون في رمضان وخاضوا معارك ضد القوات الاسرائيلية وهم صيام.. والأكثر من هذا، كل من يجرؤ ويفطر في نهار رمضان تُحفر له حفرة بطوله ويُدفن داخل الرمل، حيث يبقى رأسه فقط كعقوبة. جعجاع تحدث بالمناسبة عن بعض الرجال والقيادات الذين رافقوهم في القتال من أمثال الرئيس اليمين زروال ومحمد الطويل وزيتوني مجغلو وشيباني محمد دردور.. أما العودة إلى أرض الوطن فكانت على متن طائرة عسكرية جزائرية ومن جملة ماكتب من شعر شعبي في جبهات القتال قصيدة تضمنت أكثر من 20 بيتاً أبى إلا أن يقدم بعضها لمتتبعي "الشروق" لأنه كتبها في وقت كانت القوات الجزائرية مرابطة دفاعا عن شرف الأمة العربية والإسلامية ومقدساتها وبحضور العديد من العسكريين.
ياما والدتي راني حيران...خايف ينسوني كل الإخوان
راني في غربة صعبت وقوات...هذا ماكتبلي مولانا الرحمان
اقطعنا بلدان وطرق بعيدة...زادتنا فالهم وكثرت لحزان
وصلنا عربان يتحدثوا بنا...حديثهم كله بالميزان
هذه تونس رجال ونسوان...فرحوا بنا عرايس وشبان
دخلنا ليبية ارض المحبة...لكثير من شعبها بقى ولهان
جناك يامصر لعزيزة علينا...تبرع من عند ارض الشجعان
دخلنا في الليل ذيك لمدينة...زادها جمال علو البنيان
فرحت بينا كثير في ذيك الشدة...عرفونا رجال مافيناش الجبان
06 اكتوبر رآك أنت تشهد... كي شعلت النار وطلع الدخان
أولاد الجزائر عتاد وعدة...هذا قول صحيح مهوش بهتان
حمات الوطسة وقوات الشعلة... صواريخ فالسّما تحطم الطيران
نسمعو في رعود كثرت علينا... كأنها جبال زلزلها الطوفان
قنابل ورصاص أتفوت علينا... ثم تنسى الموت ياذاك الخيفان
هذه سيناء الأرض الحزينة... دم العربي سايل فيها وديان
عبرنا القنال ونصرنا خاوتنا... وهزمنا العدو في كل ميدان
نطلب من الله يحفظ قوتنا ... ويرجع كل غريب الأهلو فرحان