06 أشهر فقط بعد استدعائه لأداء الخدمة الوطنية في 18 أفريل 1973 أُبلغ المجند آنذاك الطاهر سحنون، البالغ من العمر 21 سنة، بقرار الرئيس الراحل هواري بومدين بتوجه الفيلق الثامن التابع للناحية العسكرية الخامسة إلى مصر لنصرة إخوانهم بعد اندلاع حرب أكتوبر 73، وأبلغهم بأنه لا خيار لهم سوى "النصر أو الاستشهاد"، وكانت الانطلاقة بالتوجه إلى تونس برا حسب سي الطاهر الذي أكد لنا بأن الفوج الثامن للدبابات، ورغم توجههم إلى معركة حربية قد لا يعودون منها أحياء، إلا أن أجواء الحماس لم تفارقهم إلى غاية وصولهم إلى ميناء الإسكندرية على متن الباخرة المصرية "كليوباترا". ومن هنا بدأت رحلة الطاهر التي دامت 19 شهرا كاملة.
.
إلى أين كانت وجهتكم بعد وصولكم إلى ميناء الإسكندرية؟
بمجرد وصولنا امتطينا القطار باتجاه صحراء جفراء جنوب القاهرة بنحو 70 كلم، حيث تخندقنا في النقطة الكيلو مترية 101، وقمنا بتعويض الجنود المصريين الذين كان تأثير الحرب بادياً عليهم، وقد عبّروا عن فرحة لا توصف بعد وصول الجيش الجزائري لما يتميز به عناصره من شجاعة ورباطة جأش كبيرتين.
.
كم كانت المسافة التي تفصلكم عن مكان تموقع الجيش الإسرائيلي؟
المسافة لم تتعد الكيلومترين، وكنا نستطيع أن نرى تحركات عرباتهم ومُعدَّاتهم، كما كنا نستطيع رصد تحرُّكات جنودهم بواسطة أجهزة الرؤية.
.
بعد وصولكم إلى مواقعكم ما هي الأوامر التي تلقيتموها وهل قيادتكم كانت جزائرية أم تخضعون لإمرة القادة المصريين؟
نحن كنا ننتظر الإشارة فقط للهجوم لكن بالطبع من قادتنا الجزائريين الذي كانوا على رأس الفيالق الموزعة على امتداد الجبهة، وبالطبع فإن التنسيق موجودٌ على مستوى القيادة التي كان يتابعها الرئيسان السادات وبومدين اللذان قاما بزيارتنا في وقت لاحق لتشجيعنا.
.
هل حدثت مناوشاتٌ واحتكاك بينكم وبين الإسرائيليين؟
نعم في الشهر الأول كانت هناك مناوشات متقطعة لكنها لم ترقَ إلى الاشتباك والمواجهة المباشرة وقد تمَّ تسجيل بعض الجرحى الذين أُسعفوا بعيادة الفيلق.
.
هل كنتم على علم بما يجري على طول الجبهة خاصة في ظلِّ وجود جيوش من كل الجنسيات العربية على الجبهة السورية كذلك؟
لم نكن على علم بما يجري حتى على مستوى الفيالق الجزائرية لأن السرِّية العالية كانت تطغى على سير الحرب، ماعدا ما سمعناه عن محاولات لفتح قنوات حوار بين الرئيس السادات والإسرائيليين لوقف إطلاق النار.
.
كم دامت مدة وجودكم في أماكن تخندقكم بجبهة القتال؟
لقد رابطنا 19 شهراً كاملة إلى غاية انسحاب الجيش الإسرائيلي من أماكن تخندقهم بالقرب من النقطة الكيلومترية 101 بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين الرئيس المصري والقيادة الصهيونية.
.
كيف كانت يومياتكم في الجبهة وهل كان يُسمح لكم بالاجازة؟
حقيقة رغم أننا كنا ننتظر كل دقيقة اندلاع الحرب مع العدو الإسرائيلي إلا أن ذلك لم يؤثر فينا، لأننا كنا ننشد الشهادة، كما أن حب الأشقاء المصريين واحتضانهم لنا أنسانا بُعد العائلة، أما السماح لنا بالإجازات فقد كان ذلك مرتبطاً بمدى تطور الأوضاع. وعلى العموم ففي كل إجازاتنا التي كنا نقضيها بالقاهرة كان كرمُ المصريين يغمرنا وهو ما لا يمكن نسيانه بأي حال من الأحوال، خاصة في ظل افتخارهم وجهرهم بموقف الجزائر التي وقفت بجانبهم عدة وعتاداً.
.
كلمة أخيرة عمي الطاهر..
أشكر "الشروق" لأنها نفضت الغبار عن حقبة تاريخية يجهلها الجيل الحالي لأنها ببساطة تبرز شجاعة الجزائريين الذين ورغم خروجهم من حرب أذهلت العالم، لم يتأخروا عندما ناداهم الواجب العربي لنصرة إخوانهم المصريين، كما لا يفوتني أن أترحم على بعض الشهداء من الرفاق الذين شاركوا في الحروب العربية ـ الإسرائيلية وأزف التحية والسلام والدعاء لمن بقي على قيد الحياة بالصحة والعافية وأدعوهم في كل ولايات الوطن للالتحاق بالجمعية الوطنية لقدماء محاربي الشرق الأوسط للدفاع عن حقوقنا المهضومة.