سجلت شهادته: آمال شيبان(تحقيقات الشروق اليومي الجزائرية) سبتمبر 2013
2
الصهاينة كانوا يقولون لنا: المصريون منشغلون بالفن وأنتم تموتون لأجلهم؟
مصريون قالوا لنا لو كان للجزائر حدودٌ مع فلسطين لاستقلت
الجندي
السابق السيد بلخرشوش عبد المجيد المولود سنة 1942 بمنطقة سيدي أمعاش بقصر
الصبيحي بولاية أم البواقي الساكن حاليا بمدينة بئر رقعة، إلتقيناه وروى
لنا جانباً من الصور البطولية التي أدّاها الجيش الجزائري خلال الحروب
العربية الإسرائيلية على غرار حرب 1967 وحرب الاستنزاف ومدى وقفة الجزائر
مع الدول العربية ومساعدتها لها في مختلف القضايا لاسيما تلك التي كانت
تتعلّق بالحروب مع العدو الصهيوني، التحق بلخرشوش بالجيش الوطني الشعبي
بتاريخ 12 أوت من سنة 1966 برتبة جندي بالثكنة العسكرية بقسنطينة، شارك في
حرب النكسة رفقة ثلة من أبطال الجزائر الذين شدوا الرحال إلى بلاد الكنانة
رافعين شعار النصر أو الاستشهاد.
حتى الجزائريات أبدين استعدادهن للمشاركة في الحرب
استهلّ بلخرشوش حديثه معنا بآيات بينات من الذكر الحكيم حملت في
مجملها معاني الحث على الجهاد في سبيل الله مؤكداً أنّ الجهاد في سبيل
الوطن واجب وتحقيق النصر غاية كل من حمل السّلاح، ربّما كان إنتماء بلخرشوش
إلى أسرة ثورية عاشت ظلم الاستعمار وذاقت مرارة الاحتلال الدافع الأكبر
للانتقام من العدو خاصة فيما يتعلّق بالمساس بالوطن، محدّثنا ينحدر من أسرة
ثورية حمل السّلاح منذ نعومة أظافره فكان له علم بالحرب ومجرياتها وحتى
تقنياتها وفنياتها قبل الالتحاق بالجيش في قسنطينة .
ويضيف بلخرشوش: "حينما أخبرنا قادتنا بتاريخ ذهابنا إلى مصر
والمشاركة في الحرب ضد الصهاينة كنا نعد الثانية قبل الدقيقة لنصل ونواجه
العدو الصهيوني وبعدما أعلنت السلطات الجزائرية بأن الجيش الجزائري سيشارك
في حرب الاستنزاف لقهر الإسرائيليين أٌقدم ثلة من المجاهدين على تدوين
أسمائهم للمشاركة في الحرب كما أذكر أنه هناك حتى نساء جزائريات كُنّ من
أوّل المستعدات للذهاب تطوّعا إلى مصر والجهاد من أجل طرد الصهاينة من
سيناء.
خنادق وبطولات
ويضيف بلخرشوش: "كنت في الدفعة الثانية التي ذهبت إلى مصر
وانطلقنا على الساعة الثانية صباحا بقيادة النقيب سكون موسى الذي ينحدر من
مدينة عنابة فكانت البداية في مطار ليبيا ومن ثمة مطار القاهرة ثم تنقّلنا
في الشاحنات إلى محافظة السويس وبالتحديد منطقة فايد والتي توجد بها ما
يسمى بالبحيرة المرة وهي البحيرة التي كانت تفصل بين الجيش الجزائري
والصهاينة فكانت مهمّتي مراقبة تحركات العدو باستعمال التيليسكوب حيث كانت
هناك نقطة تسمى ببور توفيق كنا نصعد فوق شجر الصنوبر ونثبّت أجهزة
التيليسكوب حيث كنا في حينها نعمل بنظام المناوبة وكانت مهمّتي هي رصد كل
تحركات العدو حتى في أرضه حيث كنت بين الحين والآخر أحضِّر تقريرا مفصّلا
يحمل كل تحركات العدو وأحيانا كنا نبعث رسائل استعجالية لقادتنا عندما
نلاحظ تحركا مشبوها لجنود العدو، علما أنّ الجهاز الذي كنا نعمل به مؤلم
ويخلّف التهابات على مستوى العينين. أما في الفترة الليلية فكنا نقضي الليل
في المشي لتأمين الخنادق التي كان يبلغ طولها حوالي 20 كيلومترا لنتقدّم
بعدها لمنطقة دفرسوار، وكنا نقضي اليوم في البحيرة المرة داخل المياه
لمحاربة العدو، لنقوم بعدها بحفر خنادق باستعمال الحجارة ووسائل حفر بسيطة
حيث كنا نأتي بالحجارة من جبل فايد لبناء الخنادق التي لا تزال إلى يومنا
هذا تشهد على المواقف البطولية التي قدّمها الجيش الجزائري للقضايا
العربية.
تعليمات بومدين
عندما قام بزيارتنا الرئيس الراحل هواري بومدين خلال مشاركتنا في
حرب النكسة اشتكينا له أمر السلطات المصرية التي كانت جد بطيئة في إعطاء
أوامر للقتال حيث أننا كنّا نتلقى ضربات قوية من العدو ونعجز عن الرد بسبب
انعدام أوامر تفيد بضرب الصهاينة، فكان رد فعل الرئيس الراحل هواري بومدين
انّه أعطى أوامر لقادة الجيش المصري بأنه لا سلطة لهم على الجيش الجزائري
لا من ناحية التخطيط ولا من ناحية تقديم الأوامر للهجوم، وكلّف بومدين
قادتنا بتولي المسؤولية الكاملة والعمل بكل حرية وكذا ضرب العدو بعد
التخطيط المحكم دون الرجوع لأي ضابط مصري مهما كانت رتبته العسكرية، هذا
كما انّه لم تكن لنا ثقة في بعض قادة الجيش المصري وحتى جنوده حيث أنه وقبل
أن نتلقى أوامر بومدين كان الإسرائيليون يهاجموننا بما أننا كنا في أوّل
خط هجومي، لكننا نعجز عن الرد وفي كل مرة كنا نطالب السلطات المصرية بمنحنا
أوامر بضرب العدو كانوا يقولون لنا بأنه لم يحن الوقت بعد.
الصهاينة كانوا يحاولون النيل من معنوياتنا
كان الكثير من الضباط والجنود المصريين لا يفوّتون حفلة لأم كلثوم
أو لعبد الحليم حافظ إلاّ وحضروها مهما كانت الظروف السياسية في ذلك الوقت
وكان الصهاينة يستغلون انشغال المصريين بالحفلات ويستعملون مكبرات الصوت
ويخاطبوننا بأسماء مدننا الصغيرة وحتى أريافنا والعرش الذي ننتمي إليه في
محاولة من العدو تأكيده لنا أنّه يعرف من نحن ومن أين ننحدر وأنه لا
يخافنا، وكان الصهاينة يقولون لنا: "المصريون منشغلون بالفن وأنتم تركتم
بلدكم وجئتم لتموتوا لأجلهم في المقابل.. هم أنفسهم لا يعيرون اهتماما لا
للبلد ولا للعروبة ومهم الوحيد هو الفن والفنانون"، وكان العدو الصهيوني
يحاول التأثير في الجيش الجزائري بمثل تلك العبارات للحط من عزيمتهم
وإقناعهم بالعدول عن المشاركة في حرب الاستنزاف، لكننا لم نعر اهتماما
لخطاباتهم بل زادنا الأمر قوة وعزيمة للقتال.
إسرائيل اشتكت الجزائر للأمم المتحدة
ويواصل بلخرشوش شهادته قائلاً: أذكر أنه خلال سنة 1969 تقدّمت
إسرائيل بشكوى للأمم المتحدة تشتكي فيها الجزائر قائلة أنّ الجيش الجزائري
يستعمل أسلحة خطيرة ومحظورة دوليا على غرار الـ"بي أم 14 و 24" وهي عبارة
عن أسلحة تحوّل كل شيء إلى رماد في رمشة عين، كما أنّ العدو الإسرائيلي كان
يقول بأنه يفضل قتل أو أسر جندي جزائري واحد ولا قتل عشرة مصريين وذلك
كلّه كان نتيجة الدروس التي لقّنها الجزائريون للصهاينة في الشجاعة
والبسالة والتضحية حتى أنّ بعض المصريين كانوا يقولون أنه لو كانت للجزائر
حدودٌ جغرافية مع فلسطين لاستقلّت.
كان من المفروض أن نعود إلى أرض الوطن نهاية شهر أوت 1969 لكن
الانقلاب العسكري في ليبيا بقيادة الملازم الأوّل أمعمر القذافي وهو ما عرف
فيما بعد بثورة الفاتح، أجّل عودتنا حيث أنه نتيجة غلق مطار ليبيا الدولي
اضطررنا للبقاء في مصر حتى أن هناك بعض الجنود طلبوا من القادة الجزائريين
البقاء في مصر للجهاد تطوعا. وبعد عودتنا إلى الجزائر مكثنا شهرين
بالمستشفى العسكري بمدينة وهران نتيجة تعرضنا للدغات بعض الحشرات السامة
خلال مشاركتنا في حرب الاستنزاف.